الآليات الدولية لمكافحة جريمتي تبييض الأموال وتمويل الإر_هاب الدولي
كتب – حاتم عبدالرحيم
إن التطورات الاقتصاديـة المتسارعة والأحـداث التاريخيـة التـي شـهـدها العـالم خـلال الألفية المنصرمـة قـد أدى إلى حدوث آثـار عميقـة وتغيرات جذرية في جميع مجالات الحياة البشرية، أيـن أصبـح الـعـالـم كـلـه عبـارة عـن قرية صغيرة بفضـل ثـورة الاتصالات والتطورات التكنولوجية المذهلة، الأمـر الـذي أدى إلى سرعة تنامي حركـة الأمـوال وحرية تنقلهـا وتحويلهـا عبر الحدود الوطنيـة، وذلـك مـن خـلال نـظـم مـاليـة عـالميـة واسعة الانتشـار سريعـة الحركة بالغة التعقيـد، أيـن أصبـح النظـام المـالي العالمي أكثر عرضة لمخاطر انتشار الأعمال الإجرامية.
كــا أن هـذه التطورات التـي شـهـدهـا العـالم واكبتهـا متغيرات وظواهـر خطيرة، كالنزاعـات الماديـة والميـل إلى السيطرة والتملـك وتراجـع القيـم الأخلاقيـة وضـعـف الـوازع الديني، هـذا كـلـه تـرك آثـارا عميقـة في طريقـة تفكير الفرد الأمـر الـذي ينتج عنـه ممارسات سلبية مسـت كل المجتمعات الدوليـة دون تمييز.
في ظل تطلع المجتمع الدولي إلى نظام عالمي جديد، وذلك بواسطة ترسيخ قواعـد سياسية واقتصادية واجتماعيـة جـديـدة، تهدف إلى حرية انتقال الأفراد والسلع والأموال، وبالتالي مزيـدا مـن الرفاهية والتقـدم والتنميـة مما أدى إلى ظهـور أنواع جديدة من الجرائم لم تكن تعرفها المجتمعات الدولية من قبل، واستفحلت بشكل ملفت للانتباه كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والذخائر والمتفجرات، والرق الأبيض والجرائم الالكترونية وخطف الأجانب والاتجار في الأعضـاء البشريـة وانتشار الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعيـة عبر حدود الـدول، وبانتشـار هـذه الأنماط الجديـدة مـن الجـرائـم نتيجـة مـا شـهـده الـعـالم مـن أحـداث دوليـة وتطـورات سياسية، أصبحت المجموعات الإجرامية تقوم بأنشطتها غير المشروعة بشكل منظم ودقيق، لتوسيع نطاق أعمالها غير المشروعـة والتنسيق مع المجموعات الإرهابيـة الأخـرى في شتى أنحاء العالم رغبة منهـا في جني أموال طائلة لتحقيق مآربها كالثراء السريع والقوة والنفوذ. وقد واكب ظهور الجريمة المنظمة اهتمام المجموعات الإجرامية باستحداث وسائل تساعد على إخفاء المصـدر الحقيقي للأموال المتأتية من أنشطة إجرامية حتى تفضي الشرعيـة الظاهرية عليها، وتتمثل هذه الوسائل في عمليات الإيداع والنقـل السريع لهـذه الأمـوال بين البنوك والمؤسسات المصرفية المختلفة، سـواء داخـل الـدول أو عبر الحدود الوطنية، أو إدماجها في أصول ثابتـة أو منقولـة سـواء بالبيع أو الشراء أو عـن طـريـق اسـتثمارها في مجالات مختلفة. كــا يمكـن القيام بهذه العمليات في مرحلـة واحـدة أيـن استطاعت بعض المجموعات الإجرامية استغلال مؤسسات مصرفية وأسـواق رأس المال، وبعض الجهات العاملـة في مجـال تأمين صناديق التوفير والبريد وقاعـات الألعاب، القار، وتجارة الذهب، والتحف الفنية وغيرها إلى إضفاء الشرعيـة على الأموال المتحصلة من صـور السلوك الإجرامي وهي الأنشطة التي يطلق عليهـا تبييض الأموال.
فعمليات تبييض الأموال، تعني بالخصـوص الحصـول عـلى أموال غـير مشروعـة نتيجـة ارتكاب بعـض الجرائم المحرمة دوليا، أو غيرهـا مـن صـور الجريمة المنظمـة. والقيام بتنقيتهـا عـن طـريـق سـلسـلة مـن العمليات البالغـة التعقيد، لتصبح وكأنهـا ذات مصـدر شرعي، ويكون الإخفـاء عـن طـريـق شخص ثالـث عـادة مـا يكـون بنكا. وبمعنى آخر هي: عملية إخراج الأموال مـن حـالـة عـدم الشرعيـة القانونية إلى حالة شرعيـة قانونية بحكـم النظـم القانونية، كـا أن جوهـر عملية تبييض الأمـوال هو قطع الصلة بين الأموال المتحصلة من أنشطة إجرامية وبين أصلهـا أو مصدرها غير المشروع حتى تبدو وكأنهـا قـد نتجت عن مصـدر مـشروع، وبذلك يمكن استعمال هـذه الأموال وتحركها في المجتمع دون التعرض للحجز أو المصادرة، وبالتالي يفلت المجرم من العقاب.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك علاقة وطيدة، بين جريمتي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب حيث أن هذه الأخيرة عرفهـا المجتمع الدولي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أيـن بـدأت العديد مـن الـدول في تتبع والتحفـظ عـلى الأمـوال والودائع الخاصـة ببعـض المنظمات والهيئات التي لها علاقة بالجماعات الإرهابية، أو تلك التي تقوم بتمويل العمليات الإرهابية، ويطلـق عـلى هـذه الإجـراءات المتخذة أنها تدابير لمكافحة جريمة تبييض الأموال، ولكـن في حقيقة الأمر إنها تدابير لمواجهة جريمة أخرى جديدة هي جريمة تمويل الإرهـاب الـدولي. هذه العلاقة أثرت على الكثير من القضايا الدوليـة العامـة، وعقـدت كثيرا أساليب عمليات تبييض الأموال من جهة وتمويل الإرهـاب الـدولي مـن جهـة ثانية، الأمـر الـذي أدى إلى صعوبة كشـف ومنع أو ملاحق و ملاحقـة هـذا النوع . الأنشطة الإجرامية.
لقـد أصبحت جريمة تبييض الأموال ظاهـرة إجراميـة تـؤرق مختلف دول العالم – سـواء المتقدمة منهـا أو النامية، وذلك بعـد أن بـرز دورهـا في عرقلـة إجـراءات تعقب وضبط مصـادر هـذه الأموال، التـي يـتـم اسـتخدامها مـن جديد في تعزيز الأنشطة الإجرامية، منها تمويل الإرهاب والتسلل إلى الهياكل الاقتصادية الوطنية والدولية وإرباك الأسواق ونشر الفساد، ومحاولة التأثير على أجهـزة العدالة الجنائية والمؤسسات السياسية والإعلامية وغيرهـا مـن القطاعـات الهامة في المجتمع.
وعلـيـه فـإن المجتمع الدولي أصبح في حاجة ماسة إلى آليات دولية فعالة، لمكافحة ظاهرة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. الأمـر الـذي أدى بالعديد مـن المنظمات الدولية والعالمية والإقليمية إلى اعتاد عدة اتفاقيات دولية مهمة، تهدف إلى إرساء سياسة جنائية عالمية جديدة لمواجهة هذه الظواهر الإجرامية والحد من تداعياتها السلبية.
وبناء على ما تقـدم يمكن أن يقسم الموضوع إلى بابين حيث خصصنا الباب الأول للجانب المفاهيمي الجريمتي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الدولي ، وقسمناه إلى فصلين: الفصـل الأول تناولنا فيه ماهيـة جريمة تبييض الأموال وأركانهـا مـن حيـث الماهية والتقنيات والمراحـل وكـذا الأركان، أما الفصـل الثـاني خصـص لجريمة تمويل الإرهـاب الـدولي الـذي مـن خلاله تطرقنا إلى ماهيـة هـذه الجريمة كالمفهـوم القـانـوني ومعرفة خصائص وأسباب ومراحل قيامهـا كــا بينـا الطبيعـة و آثار هـذه الجريمة.
أمـا الباب الثـاني خصصناه للإطار التطبيقي لمعرفة الآليات الدولية لمكافحة جريمتي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الدولي وقسمناه إلى فصلين: تناولنا في الفصل الأول الآليات الدولية والإقليمية لمكافحة جريمتي تبييض الأموال وتمويل الإرهـاب الـدولي أمـا الفصل الثاني فخصص لمعرفة الآليات الوطنية لمكافحة هذا النـوع مـن الجرائم وأشكال ومعوقات التعاون الدولي والعلاقة بين الجريمتين